ورقة مقدمه من: فوز خليفة
حزيران / 2009
كشفت نتائج انتخابات المجلس التشريعي للعام 2006 وانتخابات هيئات الحكم المحلي الفلسطيني للعام 2005 مدى ما وصلت اليه أزمة قوى وأحزاب اليسار الفلسطيني.
على الرغم من اتضاح مدى عجز حركة فتح عن توفير متطلبات مواجهة المشروع الاسرائيلي وعجزها عن بناء نظام ديمقراطي عصري وتوق الجمهور الفلسطيني لاجراء التغيير واصلاح النظام السائد، فإن القوى اليسارية لم تستطع أن تقدم البديل المقنع لهذا الجمهور خلال الانتخابات المحلية والتشريعية والرئاسية.
بالمقابل تقدم "الاسلام السياسي" بقيادة حركة حماس ليملأ الفراغ تحت شعارات الاصلاح والتغيير الذي سرعان ما انكشف زيف ادعاءاتها وجاءت ممارستها في الحكم حاملة معها رياح الفساد الاداري والمالي. ليس هذا فحسب بل كشفت عدم الإلتزام بالحلول الديمقراطية، مما يطرح بإلحاح الحاجة الموضوعية والضرورة لتقدم قوى التيار الديمقراطي البديل، وهذا ما يوجب العمل الجاد لبناء الاطار الموحد للتيار اليساري والديمقراطي والتقدمي، فهل تستجيب قوى وشخصيات هذا التيار لنداء الجمهور بضرورة النهوض بهذه المهمة؟
إن تخلف قوى وأحزاب وشخصيات هذا التيار عن القيام بهذا الواجب الوطني يهدد القضية الفلسطينية بالضياع خاصة في ظل حكومة اسرائيل اليمنية التي تجاهر ليل نهار بإدارة الظهر للحقوق الوطنية الفلسطينية، وتعمل جاهدة لتكريس رؤيتها لحل الصراع.
إن المسؤولية الوطنية تفرض وقوف كل قوى اليسار والديمقراطية، وكذلك الشخصيات الديمقراطية امام هذه المسؤولية للعمل الجاد لتوفير شروط نجاح بناء اطار موحد لهذا التيار يحمل معه شروط النجاح متجاوزة أسباب الازمة وأسباب فشل كل المحاولات السابقة التي شهدتها الساحة الفلسطينية على مدار السنوات الماضية.
لقد أظهرت التجربة الماضية والتي شهدت محاولات تنسيق جهود قوى اليسار في صيغ مختلفة بدءاً من تجربة القيادة المشتركة بين الجبهتان الشعبية والديمقراطية وكذلك تجربة التحالف الديمقراطي بين الحبهتين الشعبية والديمقراطية في ثمانينيات القرن الماضي، ومحاولات بناء اداة موحدة تجمع في صفوفها قوى وأحزاب وشخصيات ديمقراطية في تجمع ديمقراطي فلسطيني موحد أهمية البناء على أسس ديمقراطية، وأهمية تحديد الاهداف وآلية تحقيقها. لقد اشاع إقدام قيادة الجبهتين الشعبية والديمقراطية على تجربة القيادة المشتركة أجواء ومناخات ايجابية في أوساط التيار الديمقراطي وقواعد التنظيمين وكوادرها، واتخذت العديد من القرارات لتنسيق الجهود في الساحات والاقطار المختلفة ولكن هذه الجهود قد اصدمت باستمرار الخلافات السياسية والتي كان لها الاثر الحاسم في تراجع التجربة.
إن غياب الآليات الديمقراطية عن الصيغ التنظيمية المعتمدة وإبقاء القرار بيد الهيئات القيادية لم يمكن كوادر واعضاء التنظيمين من لعب دورهم الايجابي في معالجة العوامل السلبية التي تحول دون تطوير التجربة، مما جعل مصيرها يتوقف على العوامل المؤثرة في صنع القرار لدى الهيئات القيادية للتنظيمين. يعود قسم من العوامل الى عوامل النشأة وظروفها وعوامل شخصية مرتبطة بها، ورح التنافس التي جرى تغذيتها لتبرير الوجود لدى كل منهما.
إن غياب دور جمهور الاعضاء له علاقة بغياب الآليات الديمقراطية الحقة التي غابت عن الحياة الداخلية للجبهتين، واعتماد آليات المركزية الديمقراطية بالمفهوم التقليدي، والتي تحل الهيئات القيادية محل رأي جمهور الكادر والاعضاء؛ فالمكتب السياسي يحل محل اللجنة المركزية قرارها نهائي... الخ، ناهيكم عن دور الفرد في صنع القرار.
إن اعتماد الصيغ التنظيمية التي لم تتجاوز صيغ التنسيق كان له أثره السلبي على توفير قوة ضغط تلجم الاتجاهات السليبة القيادية التي ليس لها مصلحة في تطوير التجربة نحو بناء تنظيم موحد؛ فالجهة التي اتخذت قرار العمل المشترك ابقت في يدها قرار فك وحل الهيئات المشتركة إثر تطور الخلاف السياسي بين التنظيمين وغاب دور كوادر وقواعد التنظيمية عن أخذ دورها في القرار.
إن أهم الدروس المستخلصة من تلك التجربة تتمثل بما يلي:
1. اهمية الاتفاق على البرنامج السياسي والاجتماعي الديمقراطي وهوية الاطار الجديد.
2. أهمية بل ضرورة اعتماد الآليات الديمقراطية في الصيغ التتنظيمية المعتمدة تعطي الاعضاء دورهم في مسيرة التجربة.
3. أهمية الاستقلال المالي.
4. إعتماد مبدأ التمثيل النسبي في تشكيل الهيئات الموحدة للمنظمات الديمقراطية.
5. خوض كافة المعارك الانتخابية النقابية والجماهيرية والبلدية و التشريعية وغيرها ببرنامج موحده وقائمة واحدة.
6. أهمية دور الشخصيات الديمقراطية والتقدمية والمشاركة الفاعلة في تجربة توحيد قوى اليسار.
7. أهمية الشباب والمرأة وإعطاؤهم الدور المهم في عملية صنع القرار.
8. اعتماد صيغة تجمع ديمقراطي يجمع في صفوفه القوى والاحزاب اليسارية والديمقراطية والشخصيات على أسس العضوية الفردية
لقد أظهرت هذه التجارب أهمية وحدة أداة هذا التيار لتعزيز دورها؛ فقد اظهرت تجربة العمل المشترك فيما بينها- متمثلة بالتحالف الديمقراطي الذي جمع حزب الشعب والجبهتان الشعبية والديمقراطية في ظل الازمة التي عانت منها م. ت. ف أواسط الثمانينات - أهمية هذا التحالف رغم محدودية اهدافه. هذا من جهة، من جهة أخرى فقد أظهر التباين والاختلاف والعمل الفئوي الى أية درجة خسرت هذه القوى من مكانتها ودورها في الاطار الوطني الموحد م.ت.ف في المعارك التي كانت تستهدف اجراء الاصلاحات اللازمة في هياكلها، مما سهَل على القيادة المتنفذه اللعب على التناقضات والاختلاف فيما بينها لتعزيز انقسامها وتمرير رؤيتها في الاطار الوطني.
إن تجاوز الازمة الراهنة لقوى واحزاب اليسار والديمقراطية الفلسطينية يتطلب توفر المنهج العلمي والموضوعي والجدية اللازمة لقراءة اسباب هذا المأزق والعمل الجاد المخلص لتوفير مقومات الخروج من هذه الازمة.
فإذا كان من الصحيح رؤية الاسباب الموضوعية التي فعلت فعلها في نشوء وتبلور أزمة اليسار الفلسطيني متمثلة بانهيار تجربة البناء الاشتراكي في الاتجاه السوفييتي السابق وفي بلدان اوروبا الشرقية وما أفرزته من انعكاسات على مجمل الوضع الدولي وعلى القوى التقدمية والاشتراكية في العالم والعالم العربي وقوى اليسار الفلسطيني خاصة، مع تبدل في المزاج الشعبي والجماهيري الذي كان يرى في هذه التجربة النموذج الذي يمكن أن يحتذي عكس نفسه على علاقة هذا الجمهور مع هذه القوى، إضافة لما أحدثه هذا التغيير من ارباك وتخبط وضياع فكري سياسي في ضوء الهجمة الامريكية على المنطقة مستغلة تلك الظروف لتعزيز مكانتها.
إن غياب الديمقراطية الحقة في الحياة الداخلية لهذه القوى وفي علاقاتها مع بعضها البعض ومع الجمهور وعدم تجسيد مبدأ الرأي والرأي الآخر في التعامل مع قضايا الخلاف وسيادة ثقافة التعصب التنظيمي والانغلاق كان له الأثر البالغ على التجارب السابقة. وهذا ناتج عن طبيعة البنية الفكرية وظروف نشأة هذه القوى والاحزاب.
ان تقدم روح التنافس واثبات الذات لدى هذه القوى وأن بنسب متفاوتة قد لعب دوراً هاماً في عدم تعزيز العمل المشترك مما وفر البيئة المناسبة للقوى الاخرى لتغذية هذا التنافس والتنافر.
إن الخروج من هذا المأزق يتطلب بناء أداة موحدة للتيار اليساري والديمقراطي، يسمح وجود منابر تعبر عن نفسها داخل الاطار الموحد وخارجه ويلتزم برؤيا سياسية واقعية تجيب على متطلبات معركة التحرر الوطني والديمقراطي، وتقدم النموذج المختلف عن الاخرين في احترام الرأي وارأي الآخر، وتؤمن بدور الجماهير في التغيير وما يتطلبه من مشاركة فعلية في صنع القرار. اداة تحمل مشروعاًُ ديمقراطياً في البعد الاجتماعي والاقتصادي لحل المعضلات التي تعاني منها فئات وقوى الشعب المختلفة. أداة تقوم على أساس الانتماء الفردي لهذا الاطار، مع ادراك أهمية الاستقلال المالي وتوفير مصادر التمويل اللازم لنشاطات هذا الاطار . لقد أثبتت التجربة امكانية التوصل لرؤية برنامجية مشتركة اذا ما توفرت إرادة العمل المشترك لبناء أداة موحدة للتيار اليساري والديمقراطي الفلسطيني. وهذا هو الطريق للخروج من المأزق الذي تعاني منه الساحة الفلسطينية، وانهاء حالة الاستقطاب القائمة بين حركتي فتح وحماس.
No comments:
Post a Comment