Wednesday, July 1, 2009

دروس مستخلصة من تجارب توحيد اليسار في فلسطين

ورقة مقدمه من: عبد الرحيم ملوح

الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين

حزيران / 2009

تمهيد:

شكلت فكرة وحدة قوى اليسار الفلسطيني محورا أساسيا من محاور عمل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين تاريخيا ، وقد آمنت الجبهة بأهمية وضرورة هذه الوحدة من منطلقات فكرية- أيديولوجية وسياسية وإستراتيجية .

تعبيرا عن هذا الاهتمام والإيمان ضمنت الجبهة أنظمتها الداخلية وبرامجها السياسية المتعاقبة نصوصا تعبر عن ذلك، اعتبرتها الجبهة مبدأ من مبادئها العامة ، وآخرها ما جاء في النظام الداخلي المعدل الصادر عن المؤتمر الوطني السادس المنعقد في تموز عام 2000، حيث أكدت المادة الثالثة على أن الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين " ,,, تناضل من أجل وحدة كل القوى والفعاليات والشخصيات الديمقراطية في إطار سياسي – ديمقراطي موحد". وما هذه الصيغة إلا تعبير عن فكرة وحدة اليسار الفلسطيني ، فقد أوضحتها شروحات النظام الداخلي للجبهة باعتبارها عملا من أجل وحدة التعبيرات السياسية للطبقة العاملة والنضال من أجل علاقات أفضل بين القوى الديمقراطية التقدمية في الساحة الفلسطينية تمهيدا لتشكيل الخيار الديمقراطي الموحد. وفي وثائق سابقة ولاحقة استخدمت مفاهيم " بناء حزب الطبقة العاملة الموحد" و" الحزب الطليعي الموحد" و" وحدة اليسار"و" وحدة القوى الديمقراطية الثورية والتقدمية" و" بناء الحركة الشعبية الديمقراطية" و" البديل الديمقراطي " و" التجمع الوطني الديمقراطي " و" جبهة اليسار" وغيرها من التعبيرات والصيغ التي تعبر عن جوهر ذات المبدأ والهدف والمضمون وإن اختلفت في بعض التفاصيل.

تطور تجربة وحدة قوي اليسار في فكر وممارسة الجبهة الشعبية

لم يكن مبدأ النضال لوحدة اليسار الفلسطيني قد عبر عنه بوضوح في بداية نشأة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، حيث كانت فكرة بناء الجبهة الوطنية المتحدة المستقاة من تجارب ثورية أخرى هي الفكرة الطاغية في فكر وممارسة الجبهة ، وهو ما تكرس لاحقا في النظرة لمنظمة التحرير الفلسطينية والنضال من أجل إصلاحها الديمقراطي . أما فكرة وحدة اليسار فلم تكن مطروحة في البدايات و لأسباب متعلقة بطبيعة نشأة تلك القوى وانشقاقاتها عن بعضها البعض ، وبالتالي تناقضاتها التي وصلت في بعض الأحيان حد القطيعة وتبادل التهم والنعوت التي لا تخلو من حدة ونزق وتعبر عن عصبويات فئوية ضيقة وقصور فكري واضح لدى الجميع.وقد برزت هذه التناقضات والاتهامات واضحة في مرحلة ما بعد حرب تشرين / أكتوبر عام 1973، في ضوء الخلافات حول التسوية السياسية ، والتي على أثرها ساهمت الجبهة مساهمة أساسية في تشكيل جبهة الرفض ، فيما اصطفت القوى اليسارية الأساسية الأخرى ( الجبهة الديمقراطية ، والشيوعيين الفلسطينيين ) في الجهة المقابلة.

في تلك الأثناء وحتى نهاية سبعينيات القرن الماضي، كانت الجبهة تركز على ما أسمته " المحور الجذري" سواء على الصعيد الفلسطيني أو العربي ، وسعت إلى بناء أشكال وحدوية مع تلك القوى المصنفة في إطار هذا المحور وذلك انشدادا للاعتبارات السياسية أساسا.

مع نهاية السبعينيات ، وبعد أن استعادت منظمة التحرير الفلسطينية وحدتها عام 1979على أساس برنامج الإجماع الوطني : برنامج العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة المستقلة وعاصمتها القدس ، وفي ضوء التطورات الفكرية لقوى اليسار واعترافها المتبادل ببعضها البعض كقوى يسارية ( تقدمية وديمقراطية ثورية )، أخذت العلاقات بينها تتحسن تدريجيا .

وفي ضوء نتائج الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982 وما تبعه من انشقاق في فتح وأزمة في م. ت. ف ، ومحاولات التفتيت و الاحتواء والتصفية للقضية الوطنية ، التقت الجبهتان الشعبية والديمقراطية عام 1983 وشكلتا " القيادة المشتركة " وطرحتا برنامج " الوحدة والإصلاح الديمقراطي"، وفي تلك الأثناء كان الشيوعيون الفلسطينيون قد أعادوا تشكيل حزبهم الخاص( الحزب الشيوعي الفلسطيني الذي أخذ لا حقا اسم "حزب الشعب" ) ، مما فسح في المجال لتشكيل ما سمي ب " التحالف الديمقراطي" بين الجبهتين والحزب الشيوعي وجبهة التحرير الفلسطينية.

إن إقدام الجبهة الشعبية على بناء مثل هذه التحالفات، التي تصب بشكل أو بآخر في وحدة اليسار الفلسطيني ، نابع من تحليلها لتجربة الثورة الفلسطينية واستخلاصها لدروسها وعبرها . ففي رده على سؤال متعلق بمسؤولية اليسار الفلسطيني عن أزمة الثورة الفلسطينية المعاصرة ، أجاب الدكتور جورج حبش مؤسس الجبهة وأمينها العام آنذاك(1985): إن كون اليمين هو الذي يتحمل المسؤولية الأولى والأساسية في أزمة الثورة لا يعفي الجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية من الوقوف أمام مسألة الاهتمام بموضوع وحدة اليسار وموضوع تفكك اليسار طيلة الفترة ، إضافة إلى كيفية استفادة اليمين من زرع التناقضات بين فصائل اليسار ....إن القضية الأهم بالنسبة لنا في هذا الجانب والتي يجب تداركها هي مسألة كيف يمكن أن يعالج اليسار تعارضاته بشكل ديمقراطي في ظل رؤية التناقض الرئيسي داخل الساحة الفلسطينية ..".وفي إشارة واضحة إلى تجاوز المفاهيم القديمة حول تصنيفات قوى اليسار بين انتهازية وثورية ، وفي رده على سؤال حول هذا الموضوع ، أجاب الأمين العام للجبهة : " اننا في الساحة الفلسطينية تحديدا لا نستطيع في هذه المرحلة أن نصل إلى تقييمات وتصنيفات نهائية لموضوع اليسار ، واليسار الانتهازي بنفس المقاييس التي حصلت في الحركة العمالية في تاريخها الطويل.........بحكم تعقيدات الساحة الفلسطينية والساحة العربية ...، انه يجب أ ن تفتش قوى اليسار ، بالرغم من خلافاتها ، عن عملية نقاط اللقاء، واستمرار الحوار قبل أن نصل إلى مستوى التصنيف..و إنني على ضوء اعتبارات آيديولوجية واعتبارات سياسية أدعو إلى أن نعتبر كل القوى التي تمثل اليسار طبقيا هي ضمن قوى اليسار ، لنستخلص من عملية الحوار المكثفة الخط اليساري الفلسطيني ، والخط اليساري العربي".(الدكتور جورج حبش، أزمة الثورة الفلسطينية المعاصرة ، دار الفارابي ، بيروت، 1985).

وللأسف لم يكتب النجاح لتجربة "القيادة المشتركة" بين الجبهتين الشعبية والديمقراطية و كذلك لتجربة "التحالف الديمقراطي" على الرغم من أنهما تجربتان رائدتان وجاءتا في ظروف سياسية ملائمة لوحدة اليسار الفلسطيني .

و رغم تلك التجربة ، تابعت الجبهة الشعبية محاولاتها للتوحد مع تنظيمات يسارية فلسطينية ومنها جبهة التحرير الفلسطينية وجبهة النضال ، لكنها لم تتكلل بالنجاح.

أما التجربة الأبرز في حينه على صعيد وحدة اليسار فكانت تجربة " القيادة الموحدة " بين الجبهتين الشعبية والديمقراطية للفترة ما بين 21/9/1992 وحزيران /1999.وكانت بدايات تلك التجربة قد انطلقت من منطلقات سياسية متعلقة برؤية مشتركة وتحليل مشترك للمخاطر المحدقة بالقضية الفلسطينية بعد مؤتمر مدريد عام 1991 وما أبدته قيادة منظمة التحرير من استعداد للانغماس في التسوية السياسية للصراع والقبول بحكم إداري ذاتي .وما ميز هذه التجربة عن سابقاتها ، أنه وفورا بعد الإعلان عن تشكيلها ، شرعت القيادة الموحدة "بإصدار المواقف السياسية المشتركة باسمها ، وأقامت على الفور هيئة للسكرتاريا ، وهيئات موحدة لقيادات الفروع ودوائر العمل الوظيفي في مجالات العمل العسكري والسياسي والإعلامي والنقابي والجماهيري ، وأخذت تصدر الرسائل و التعاميم الداخلية والقرارات والتوجيهات لقواعد وكوادر التنظيمين للقيام بالمهام المشتركة" ، وانتقلت في فترة لاحقة مما أسمته ب " التجاور السياسي والنضالي" إلى " مستوى التوحد التدريجي" باتت قرارات القيادة الموحدة فيها ملزمة للهيئات الموحدة للفروع والدوائر" وأعطيت أولوية لتوحيد الجهود لإعادة بناء المنظمات والاتحادات الشعبية والدخول بقوائم انتخابية موحدة على طريق توحيد المنظمات الديمقراطية التابعة للجبهتين ، كما وأقرت لائحة داخلية للقيادة المركزية في نهاية شباط 1993، وأصدرت برنامج الخلاص الوطني عام 1994 وتمكنت من أخذ موافقة التنظيمين في مؤتمريهما الحزبيين العامين ( الكونفرنس العام للجبهة الشعبية في حزيران 1994 والمؤتمر الوطني الثالث للجبهة الديمقراطية في أيلول 1994) على إقامة الاتحاد الجبهوي بين التنظيمين ووضعه موضع التنفيذ.وفي كانون أول 1994 قررت القيادة الموحدة للجبهتين " المبادرة إلى فتح الحوار ، مع سائر القوى والشخصيات الديمقراطية ، ودعوتها للمشاركة بالجهد التوحيدي المطلوب لبناء القطب الديمقراطي الفاعل في إعادة بناء الحركة الوطنية الفلسطينية ..." ورحبت بمشروع العملية التوحيدية الاندماجية بين الحزبين التوأمين للجبهتين على الساحة الأردنية. وقررت القيادة الموحدة في تشرين ثاني 1994 توحيد المنظمات الديمقراطية الثلاث : الشباب والعمال والمرأة في خلال مدة زمنية أقصاها عام من تاريخ اتخاذ القرار ، ألا أن هذه العملية ورغم نجاحها في بعض الفروع راوحت مكانها ولم تنجز ، وإجمالا فان مشروع الاتحاد الجبهوي برمته أخذ مع نهاية عام 1994 وبداية عام 1995 بالمراوحة في مكانه ، وخلق الفشل إحساسا عميقا بالمرارة وغدت التجربة موضع تساؤل بعد افتقاد المشروع لزخمه ، مما أدخل المشروع الوحدوي في مرحلة تراجع وخاصة قبيل وأثناء وبعد انعقاد الدورة الحادية والعشرين للمجلس الوطني الفلسطيني في نيسان عام 1996. ورغم ذلك استمر الإصرار على إنجاح التجربة لدى الهيئات القيادية لكن الواقع كان أعندا وأخذت التعارضات تزداد بين التنظيمين إلى أن اتخذت قيادة الجبهة الشعبية قرارا في حزيران 1999 بتجميد العمل بالهيئات القيادية الموحدة على جميع المستويات. (تجربة القيادة الموحدة للجبهتين الشعبية والديمقراطية . وثيقة صادرة عن المكتب السياسي ، حزيران 1999).

وفي ذات الفترة خاضت الجبهة الشعبية بعد قيام السلطة الفلسطينية تجربة بناء ما أسمته ب " الحركة الشعبية الديمقراطية الفلسطينية " بالتعاون مع قوى وتيارات وشخصيات وطنية ويسارية ، إلا أن التجربة لم يكتب لها النجاح رغم عقد مؤتمر عام للقوى والشخصيات تحت عنوان " التجمع الوطني الديمقراطي " ورغم ما تحقق من انجازات على صعيد بناء "تجارب أولية للقطب الديمقراطي في أوساط الطلبة " و"تجمع يساري في شبكة المنظمات الأهلية"( انظر الوثيقة السياسية والجماهيرية الصادرة عن المؤتمر الأول لفرع الضفة الغربية . الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، نيسان 1998) .وتجددت محاولات بناء " البديل الديمقراطي " بعد عودة الرفيق أبو علي مصطفى إلى الداخل ، والذي تولى الأمانة العامة خلفا لرفيق دربه الدكتور جورج حبش ، ورغم ما أنجز على هذا الصعيد إلا أن المشروع تعثر.وقامت الجبهة بخوض غمار حوار مع القوى الديمقراطية واليسارية لبناء تحالف انتخابي لخوض الانتخابات التشريعية لعام 2006، لكن التجربة فشلت وشاركت الجبهة الشعبية في الانتخابات بقائمة منفردة بينما تشارك حزب الشعب والجبهة الديمقراطية والاتحاد الديمقراطي " فدا " في قائمة " البديل " ، كما خاضت المبادرة الوطنية الانتخابات التشريعية لوحدها أيضا بعد أن كانت قد تحالفت مع الجبهة الشعبية في انتخابات الرئاسة، وكذلك فعلت جبهة النضال الشعبي .وهاهي الجبهة تقوم اليوم بخوض غمار مشروع وحدوي يساري جديد. وبخاصة مع الجبهتين الديمقراطية وحزب الشعب وقوى وشخصيات أخرى.

دروس وعبر التجربة

إن كل هذه التجارب والمحاولات ، المشار إليها سابقا، جاءت منسجمة مع ما شهدته الجبهة الشعبية من تحولات وتطورات وما استخلصته من عبر ودروس المراحل المختلفة للنضال الوطني الفلسطيني عموما ، والمرحلة الجديدة بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 بخاصة . ففي معرض تحليله للظروف المستجدة بعد مؤتمر مدريد ، أكد الأمين العام الأسبق للجبهة الدكتور جورج حبش أمام المؤتمر الوطني الرابع للجبهة الذي انعقد عام 1993 أن الاستقطابات الجديدة في الساحة الفلسطينية في ضوء تراجع البرجوازية عن البرنامج الوطني وتنامي فعل وتأثير الاتجاه الأصولي الديني تجعل الجبهة تقف أمام " استحقاق البديل الثوري" مستنتجا " أن لا مكان للفراغ في الطبيعة كما في الظواهر الاجتماعية " ( المؤتمر الوطني الخامس . الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ، الوثائق).وتوقف الكونفرنس الوطني العام للجبهة عام 1994 أمام أزمة الحركة الوطنية الفلسطينية معتبرا أنها تتجلى في مظاهر خمس منها " عجز البديل الديمقراطي ومعاناته الحقيقية من أزمات وأمراض وسلبيات وقصورات خطيرة تطال بناه التنظيمية وممارساته وعلاقاته مع الجماهير وقدرته على بلورة برنامجه الاجتماعي البديل في شتى الميادين"، وحملت الجبهة هذا " البديل " جزءا من المسؤولية عما آلت إليه الحركة الوطنية وذلك لأنه لم يقم بعملية " القطع الايجابي الشامل مع برنامج البرجوازية الاجتماعي – السلوكي – التنظيمي – المالي – الإداري – الكفاحي – الجماهيري.....(.وأن قوي البديل ) "تأثرت بسياسات اليمين الذي أوجد مناخا لانتقال بعض أمراضه لصفوف القوى الديمقراطية " ، " وبالتالي فقد بقيت شعارات وبرامج هذا البديل الديمقراطي نظرية تبشيرية ومندمجة إجمالا في الممارسة السياسية الكفاحية – التنظيمية السلوكية .. المهيمنة في الحركة الوطنية الفلسطينية " .وفي اطار مجابهة الواقع الجدبد والتصدي لمهمات المرحلة اعتبرت الجبهة أن شق الطريق أمام مشروع البديل الديمقراطي " يعتبر ضرورة وواجبا وطنيا واجتماعيا لأنه يمثل مهمة إنقاذية للمشروع الوطني الفلسطيني برمته" . ودعت الجبهة لبلورة هذا البديل برنامجا وأداة على أساس قاعدة المصالح العليا للوطن والشعب وركيزتي الديمقراطية السياسية والاجتماعية، معتبرة أن البديل الديمقراطي هو مشروع نضالي تحرري اجتماعي متكامل وليس الجمع الميكانيكي والشكلي للقوى الديمقراطية "أي أنه " بلورة إطار ديمقراطي ، يحمل برنامجا واضحا وشاملا للمجتمع الذي يخوض النضال في اتجاهين رئيسيين : مجابهة الاحتلال الصهيوني ، ومواصلة عملية البناء والتطور الاجتماعي".واعتبرت الجبهة أن وحدة الجبهتين الشعبية والديمقراطية " ليست وليدة رغبة ذاتية ، كما أنها ليست ردا مفتعلا على حدث معين ، وإنما هي خيار استراتيجي في إطار الخيار الاستراتيجي الأشمل المتمثل بوحدة القوى الديمقراطية وبلورة البديل الديمقراطي".وأكدت الجبهة على أن نجاح تجربة وحدة القوى الديمقراطية وخلق البديل الديمقراطي تستلزم توفير المقدمات والشروط التالية :

1. " الوقوف أمام تجربة القوى الديمقراطية على مدار السنوات الماضية وقراءة هذه التجربة بعمق وعلمية وبروح نقدية صارمة، وتحديد مكامن وأسباب العجز التي أبقت هذه القوى في موقع عدم القدرة على إنضاج البديل الديمقراطي بمضامينه وأشكاله السياسية والتنظيمية – الكفاحية والسلوكية – الجماهيرية ".

2. الاقتناع بأهمية الوحدة والعمل باتجاهها "كخيار استراتيجي وكرد استراتيجي على تحديات المرحلة".

3. ضرورة توفر البرنامج الموحد باعتبار أنه" دون الاتفاق الواضح والعميق على الخطوط الإستراتيجية في ميادين العمل النضالي المتنوعة ، فإن بذور الخلاف والشقاق ستبقى قائمة ، كما أن الضبابية ستكتنف مسار العمل الوحدوي".

4. أن تنطلق العملية التوحيدية وأن تقوم على أساس ديمقراطي عميق وشامل. أي أن تكون الوحدة نتاج إرادة جمعية لقواعد وكوادر القوى الديمقراطية وبالتالي أن تلاحظ باستمرار التوازن في المعادلة بين القمة والقاعدة.

5. " المجابهة الصريحة والحازمة للعوامل والممارسات المعيقة للوحدة سواء كانت خارجية أم داخلية ، مع ضرورة الانتباه إلى أن الموروثات ثقيلة والجانب النفسي يحظى بأهمية خاصة، والفئوية تعشش في ثنايا الرأس و" الأنا " موجودة دائما، والحل الأجدى هو الحوار والحوار ومخاطبة العقل..

6. " توفير ديناميات تنمي روح العمل الوحدوي بسير متدرج مستند لرؤية بعيدة ، يراكم الخبرات والتجارب ويولد القناعات بجدوى خيار الوحدة.

7. " أن يكون واضحا من البداية بأن مشروع وحدة القوى الديمقراطية هو مشروع وطني، وليس فئوي، ومشروع قائم على أساس التمسك بالبرنامج الوطني، أي أنه مشروع كفاحي، يعبر عن ذاته بالممارسة التي تصعد الكفاح والنضال صد العدو ، مشروع ترى فيه الجماهير الفلسطينية المكافحة شعاعا أوبديلا جديا يستعيد ثقة الشارع التي اهتزت بالعمل الفصائلي".( أنظر الوثيقة الصادرة عن الكونفرنس الوطني العام للجبهة الشعبية ، إصدار الجبهة الشعبية ،1995).

لقد تعمقت قناعة الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين بهذه المقدمات والشروط اللازمة لوحدة قوى اليسار الفلسطيني ، وخاصة بعد فشل تجربة القيادة الموحدة مع الجبهة الديمقراطية. وقد توقف المؤتمر الوطني السادس للجبهة في تموز عام 2000 أمام هذه التجربة مجددا ، فعمق الأفكار الواردة آنفا ، معتبرا أن طبيعة الصراع الموضوعية وحقائقها المتعلقة بدور البرجوازية الفلسطينية والقيادة السياسية الرسمية وأزمة قوى المعارضة، تفرض استحقاق البديل الديمقراطي ، حيث أن :"مساحة موضوعية هائلة الاتساع ودورا موضوعيا كبيرا ينتظر عاملا ذاتيا مؤهلا ليملأ الفراغ الضخم على المسرح الاجتماعي للتاريخ الفلسطيني في مرحلته الراهنة. دور مقرر اجتماعيا وتاريخيا ألا وهو الارتقاء بالممانعة التاريخية بما هي عليه من حالة موضوعية إلى صراع تاريخي. صراع ينتظر رؤية جديدة تعبر عنه ، وبطل يؤديه ". ولعل هذه المهمة منوطة بالحالة الديمقراطية الفلسطينية ، التي تمتلك بالمعنى النسبي عوامل وأسباب كافية لتشكل بداية جيدة لفتح الطريق أمام الخطوات المطلوبة في إطار عملية عميقة وشاملة تعتبر البديل ليس في وحدة بعض الفصائل الديمقراطية الموجودة ، بل باعتباره خيارا اجتماعيا – تاريخيا شاملا لمواجهة استحقاقات الصراع الشامل وليس جانبا من جوانبه كالسياسي مثلا ممثلا باتفاق أوسلو.أي ضرورة التعامل مع البديل الديمقراطي كمشروع تاريخي للمستقبل ، يرتقي بدوره من مستوى المعارضة السياسية إلى دور الرافعة وحامل مشروع " البديل الوطني الديمقراطي " . وأكدت وثائق المؤتمر الوطني السادس للجبهة الشعبية ، أن " تخطي الأزمة التي تعاني منها القوى الديمقراطية الفلسطينية ، مشروط بقدرتها على إعادة بناء ذاتها ، وفق استحقاقات البديل الوطني الديمقراطي ، والانتقال من المستوى الفصائلي الضيق إلى المستوى الوطني الشامل، ومن المستوى التنظيمي المحدود إلى مستوى فهمها كعملية بنائية ترتقي عبرها القوى الديمقراطية أو التيار الديمقراطي من مستوى الفعل المحدود لبعض القوى السياسية والشخصيات الاجتماعية إلى مستوى الحالة الديمقراطية الشاملة لعموم الشعب الفلسطيني ، التي بدونها يستحيل ترجمة مفهوم البديل الوطني الديمقراطي".( نحو رؤية سياسية جديدة للمرحلة . الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين . المؤتمر الوطني السادس ، تموز 2000).

إن تجارب توحيد اليسار في فلسطين ، كما عايشتها الجبهة الشعبية ، تبين أنها حديثة بالمعنى الزمني النسبي ، ولكنها غنية من حيث مضامينها ودروسها وعبرها.وإذ تؤكد الجبهة على أهمية توحيد القوى اليسارية في الساحة الفلسطينية وضرورة السعي الجاد من قبل جميع القوى والأطر والشخصيات ذات العلاقة من أجل الوصول الى الوحدة والحفاظ عليها ، فإنها تعتقد جازمة أن لا أفق للمشروع الوطني الديمقراطي الفلسطيني إلا بوحدة اليسار ، وان المصاعب والمشكلات التي تعترض طريق الوحدة يمكن التغلب عليها وتجاوزها إذا ما توفرت إرادة وحدوية قوية لدى أطراف اليسار الفلسطيني.ويهمنا أن نؤكد أن مستوى التقارب الفكري والسياسي والبناء التنظيمي كبير جدا بين تنظيمات اليسار الفلسطيني ، وأن الخلافات والتعارضات يمكن حلها بمزيد من الحوار والنقاش وعلى قاعدة احترام الاجتهاد والتنوع بعيدا عن الرؤى الشمولية التي ستظل تبحث عن تماثل لن تصله أبدا لأنه على تضاد مع طبيعة الأشياء في الوجود الموضوعي الخارج عن إرادة وفكر البشر. ويهمنا في هذه الورقة أن نسجل بعض الدروس والعبر المستقاة من تجربتنا الوحدوية ، والتي نعتقد أنه لا بد من أخذها بعين الاعتبار في المحاولات الجارية أو المستقبلية ، التي نأمل ونناضل كي تتكلل بالنجاح:

1. ضرورة العمل الجاد لتجاوز التباين في المواقف السياسية وخاصة في المنعطفات وفي المسائل التكتيكية

2. الاهتمام بالعامل الذاتي كعامل رئيسي وحاسم على صعيد الوحدة ، والنضال الجاد للتخلص من العصبويات التنظيمية والانشدادات الفئوية الضيقة في المواقف والممارسات عبر عمل تربوي وتثقيفي مشترك يطال كل المستويات القيادية والقاعدية.

3. التصدي للواقع في كل تنظيم وإطار يساري وفي إطار التيار اليساري العام .

4. الاهتمام بالتجديد الفكري والمواقف والبنى والهيئات القيادية والسياسات وأشكال وأساليب العمل باتجاه تعزيز الديمقراطية الداخلية.

5. توفير رؤية شاملة ومتكاملة قدر الإمكان قائمة على أساس علمي مخطط لخطوات العملية التوحيدية يستفيد من دروس وعبر التجربة السابقة.

6. اعتماد الأسلوب الديمقراطي الذي يعتد المكاشفة والمصارحة والعمل من القمة والقاعدة معا وعلى أساس التدرج في خطوات التوحيد بما ينسجم مع نضوج العامل الذاتي.

7. الاهتمام بصياغة آليات مناسبة لاحتواء التعارضات والتناقضات الناشئة واعتماد الحوار الديمقراطي والنفس الطويل في معالجتها، والحرص على وجود انسجام قيادي .

8. العمل بجد ونشاط لبناء حوافز بناء المشروع الوحدوي ، وبحيث تمثل القيادة نموذجا يحتذى من قبل الكادرات والقواعد الحزبية.

9. أن تجري عملية التوحيد وبناء الإطار الموحد في خضم خوض النضال الوطني التحرري الكفاحي والاجتماعي الديمقراطي وبما يحقق أوسع عملية تحشيد جماهيري يساهم في تشكيل سياج لحماية الوحدة.

No comments:

Post a Comment